الجمعة، 22 نوفمبر 2013

تستطيع أن تُعلِّم .. لكن لن تستطيع أن تُجبر أحداً على ذلك ..

تعلمت خلال سنوات طويلة من العمل والتعلم والتعليم في برامج الزمالة الطبية هذه الحقيقة ..

يتراوح الناس ويتفاوتون في تحمل "ذلِّ" التعلم ، وصبرهم يختلف بالمقارنة مع آخرين ..

فبعضهم يصل به الغرور مراحل تجعله لا يتعلم شيئاً ممكن هم أكبر منه ..

وآخرون مهما علت مكانتهم العلمية تجدهم حريصين على العلم والنقاش حتى مع أصغر أعضاء فريق العمل ..

تفسير هذه الاختلافات صعب جداً على الجميع وحاول أناس كثير قبلي تفسير ذلك ولم ينجحوا ..

الموضوع يعود في نظري لتربية كل شخص ، فبعض الناس تربَّى على الكِبْر ..

ولا تستطيع أن تغيِّر ما نشأ عليه ، بالإضافة أن هذا ليس من اختصاصك !

تحضرني في هذا الموضوع قصة صغيرة أتذكرها وأنا في سنة الإمتياز ..

كنت أحضر إحدى العمليات لطفل صغير وفي حالة حرجة للغاية وقد يموت في أي لحظة ..

والجميع من أطباء التخدير والتمريض والجراحين يعملون بجهد وفي آن واحد لإنقاذه ..

بعد كل الدراما التي شاهدتها وبفضل الله تم إنقاذ هذا الطفل الجميل ، توقفنا في غرفة الأطباء للحديث ..

كان يجلس رئيس قسم التخدير ورئيس قسم الجراحة وأنا معهم أستمع لما يقولون ..

وكان النقاش يدور حول طبيب في نظري بارع في التخدير ومتمكن جداً ..

ولكنه كان مغروراً لدرجة تجعله لا يستمع لتوجيهات الأطباء الآخرين ..

أتذكر جيداً وبالحرف الواحد ما قاله رئيس قسم التخدير تعليقاً عن أسلوب هذا الرجل ..

"لا أستطيع أن أعلِّم شخصاً يعلم كل شيء ..!"

ما زالت هذه الكلمات البسيطة والحكيمة في ذهني وأتذكرها تقريباً في كل موقف تعليمي ..

شخصياً كنت أحب التوجيهات والتعليم من مختلف المستويات ، فآخذ من الاستشاريين والأخصائيين ..

بل أنني أتعلم من زملائي في نفس مستواي وأحياناً أقل كالطلاب والطالبات أو الممرضات ..

ولكن لا أستطيع أن أجبر الجميع أن يكونوا مثلي في هذا ..!

فزميلٌ لي اشتاط غضباً عندما ذكرته ممرضة بأنه نسي أن يضع حامية الحذاء التي نلبسها قبل العمليات ..

في حين أنني إذا نسيت وذُكِّرت ، أكون سعيداً بالذهاب ووضعها بالرغم أنها لا تشكِّل فرقاً كبيراً ..!

لا أستطيع إجبار زميلي أو تغيير طريقته في التلقي ، علماً أن الموقف يعتبر "حدثاً تعليمياً" ..

تيقنت وخاصة حالياً وبعد نقاشي مع أحد أصدقائي الثقة في الغربة أن هناك أموراً لا نستطيع تغييرها ..

والحريص على العلم يجب أن يصبر على ذلِّ التعلم وإلا فأنه سيخرج من سنوات غربته كما دخلها ..!

ولكن هل أستطيع أنا أو أنت عزيزي القارئ على زرع هذا الصبر في قلوبهم .. "لا" بل قد يكون مستحيلاً ..

تعلمت في مجال عملي والحياة ..

أنِّي سأكون أسعد شخص بتعليمك .. لكنني لا أستطيع إجبارك على التعلّم ..!

سأكون أوفى من يقف بجانبك عند بحثك عن الفائدة .. لكنني لا أستطيع أن أبحث عنك ..!

عبدالرحمن العمري

يا لها من ليلة ..

كل من ينظر إلى السماء فلن يرى إلا السواد ..

ما أغباكم يا معشر البشر ، تلهثون وراء المدن الكبيرة بحثاً عن التطور ..

وتفقدون كل النجوم التي يستمتع بها أهل العقل والذوق ..

تظنون أنكم كسبتم باقتناء السيارات الفارهة والمجوهرات الثمينة ..

ومثيلكم بالصحراء يفوقكم الثروة فبحوزته كل النجوم ..

لكن من بحوزته القمر ، وهل تنتظر كل شهر مرة لتحاول أن تناله ؟!

ألا تعلم أن زيادة التعقيد في نيل القمر أنه لديه رسالة إن لم تقرأها لم تنله ..

فربما تمضي عمرك كاملاً دون أن تناله ، وتعود خاسراً .. وما أشد خسارتك وأنت تعيش بالمدن !

ولكن ما أن تنال القمر حتى تتيقن بأمر رائع عوضاً عن الرسالة التي حملها لك ..

ليس القمر هو ما يضيء في ليلةٍ واحدةٍ منتصف كلِّ شهر ..!

فما ذلك إلا دليل صغير لتصل بذكائك وفطنتك إلى مكان القمر الحقيقي !

وأترك لك اكتشاف ذلك إن استطعت أن تتصالح مع هذا الدائري ..!

قمري أراه كل يوم ، حتى أيقنت ببشاعة قمركم الوحيد كل شهر ..!

نوفمبر 22 ، 2013

الأحد، 17 نوفمبر 2013

فمان الكريم ..

نعيش في هذه الدنيا تجارب كثيرة ، فالحياة عبارة عن مجموعة من التجارب التي لا نعلم نتائجها ..

نخوضها بحرص ، أو بسذاجة أحياناً ، وقد نتعلم منها أو نرجع خالي الوفاض ..

في جميع الأحوال نتعلم دروساً ، قد نسيء تأويلها وتفسيرها ، وأحياناً نتعلم الدرس جيّداً ..

يتبقى بعد كل هذه التجارب عدة نواتج .. الدروس .. الخبرة .. الحكمة .. والوسم !

وسأركز على كلمة الوسم ، هي أمر تافه يحدث لنا جميعاً وفي معظم الأحيان يمر على أذهاننا ويتم تجاهله الكامل ..

هذا الوسم هو تعبير عن شيء يعيد لك ذكريات تجربة قديمة ، قد تكون سعيدة لك وقد تكون كاسرةً لقوامك ..

الشيء هذا قد يكون شخصاً ، تراه بعد زمن طويل فيعيد لك ذكرياتك ، وقد يكون كرة بلون زاهي ..

قد يكون قوس قزح ، شاهدته أثناء مغامرتك في إحدى الشلالات عندما شارفت على الموت ..!

وقد يكون كلمةً تخترق جدار صدرك العظمي لتدخل قلبك كجنيٍّ يتلبسك ببراعة ، فينشر في خلاياك العصبية تنبيهات تذكرك بتجربتك القديمة ..!

يتفاوت الأشخاص في تأثرهم بالوسم ، فالغالبية العظمى لا يلقي له بالاً عندما يتناول شطيرة اللحم التي كانت تعدها له والدته التي توفت أمامه ، فيكمل أكلها بنهم حيوانيٍّ ..

وآخر قد يشمّ رائحة عطر والدته ، فينهار باكياً بعد وفاتها بأربعين سنة ..

لا أعلم لماذا يتفاوت تأثير هذا الوسم على الأشخاص باختلاف الأجناس والجنسيات ، ولكن لن أتطرق أو أبحر لمعرفة ذلك ، فقد خُلقنا مختلفين ..

يكون الوهم قاتلاً لنفسيتك أخي أو أختي عندما لا تستطيع تجاهله ، وحله الوحيد هو تماماً كعلاج حساسية الصدر !!

"الابتعاد عنه" ..

مريض الحساسية قد يتعرض لنوبات عنيفة حين تعرضه للغبار وفضلات الحيوانات أو الحشرات الغير مرئية ورائحة بعض الأزهار ..

أفضل علاج لهؤلاء هي الابتعاد عن هذه المحسسات .. فيعيش حياة خالية من النوبات والخوف ..

إن كنت لا تتحمل تجربة قديمة والنتائج التي ترتبت عليها ، ابتعد عن الوسم الذي يعيد إليك هذه التجارب ..

لا أعلم كيف استطعت تحمّل وفاة جدتي رحمها الله ، ولكن إحدى الوسائل التي اتبعتها ابتعادي عن منزلها ..

لقد كانت من أكثر التجارب السيئة في حياتي والتي هزّت شخصاً لم يعتد الزلازل ..

أجابه اليوم وسماً جديداً ، "فمان الكريم" .. الذي يعيد إلي ذكرى أحاول نسيانها منذ زمن ..

ما اصعب فراق الأحباب ، الموت لم يترك لنا أحباباً إلا وتلقفهم بين أيدينا ونحن نحاول يائسين التشبث بهم ..

"فمان الكريم" .. يا أجمل من رأت عيناي ..

عبدالرحمن العمري

السبت، 16 نوفمبر 2013

فَنُّ الكَذِبْ ..

قد نرى عنوان هذا الموضوع تافهاً ، أو معلومة معروفة مسبقاً ..

لكن عندما نتفكر فيه سنجد أنه يتطور بشكل مثير للجدل ، كنظرية التطور التي مازال الجميع يتحدث عنها ..

قد ترى أيضاً أنها نظريةٌ تافهة ، لا بأس ! فليس هناك ما يمنعك من إغلاق هذا الموضوع التافه أيضاً ..!

يبتدئ الأمر وأنت طفلٌ صغيرٌ ، جلُّ همه ألعابه التي لا تُقدّر بثمن ..

فعند تحطيم أول لعبة وتفتيتها يبدأ جهازك الدفاعيّ باختلاق أعذارٍ لم تحدث لتفرّ من توبيخ والديك ..

سيكشفك الجميع بالبداية ، فأنت ما زلت غير متمرّس في هذا المجال التافه !

ثم تلتحق بالمدرسة وفي زحمة الدفاتر والواجبات يتطور أسلوبك من الأعذار إلى نقل واجبات الآخرين دون بذل أي جهد ..

تستطيع في عديد من المرات الفرار من المعلم الحكم ، الذي يعتقد أنك طالب نشيط ولا يعلم أنها كذبةٌ تافهةٌ !

ويتم اكتشافك بإحدى هذه المرات عندما يتطور زميلٌ لك فيدّعي أنك لم تبذل جهداً بحل واجباتك ..

أنت تطورت في كذبك باستغلال الآخرين ، وتطور زميلك بالإدّعاء وهو نوعٌ من الكذب أيضاً ..!

لم يعلم أنك فعلاً نقلت الواجبات ، ولكن حسده وغيرته القاتلتين دفعته ليتطوّر في كذبه ، فأنتما عشتما نفس الطفولة البريئة !!

تتخرج بمعدلك التسعينيّ ، وهو كذبةٌ تافهةٌ أيضاً فالوحيد الذي يعي خمسينيّته هو أنت ، ولكن تطورك وصل إلى فنّ الإنكار !

تستمر في تطورك وإضافة الجديد يومياً إلى فنّك التافه - الكذب - فتلتحق بعملك وتبدأ تعلمه مع نخبةٍ من المخضرمين الكاذبين !

في بداية عملك تحاول إستعمال فنّ التضليل ، وأحياناً التسويف ، ولكن المستوى في هذه المرحلة من العمر تعدّى مراحل كثيرةٍ من الصعوبة ..

تبحث عن مخارج أخرى عوضاً عن تقبّل آراء المخضرمين ومحاولة الإستفادة منهم ، فتعود إلى تطوير فنّك القديم .. لا شعورياً ..!

فتصل إلى أعظم وأشد درجاته ، النفاق الإجتماعي ..!!

فتعطي من طرف لسانك الحلوى لجميع من يعمل معك ، يحبّك الجميع ويستمرون بالعطاء لك وتسهيل مجرى عملك ..

تسعد كثيراً من النتائج ، فتزيد من النفاق وتطويره إلى تعدد الأوجه ، فتارة تمدح هذا ثم تذمه عن زميل له ، فيرضى عنك الإثنان ..

وتصل في تطوير فنّك إلى مدىً تستطيع من خلاله معرفة من يحبون بعضهم البعض ومن يكنّون البغض لبعضهم خلف الابتسامات الصفراء ..

فتكون اختياراتك بالمدح والذم بتعدد أوجهك صائبةً دائماً ..!

إن كنت وصلت في قرائتك لهذه التفاهة إلى هذا الحد ، أجد نفسي مضطراً لطلب بسيط منك ..

اسأل نفسك ، كم مرة واجهت ما سبق في نطاق عملك ، أو في مدرستك ؟!

ثم تشجّع واسأل نفسك ، كم مرة حدث ما كُتب أعلاه معك أنت شخصياً ؟!

كم وجهاً لك ؟ ..

مبارك .. لقد تخرجت بدرجة كاذبٍ بامتياز .. تفضّل وثيقتك !

عبدالرحمن العمري

الأحد، 10 نوفمبر 2013

ازْدِواجيّةٌ باحْتِراف ..

قد نكون مخطئين حينما نقول أننا لسنا بعنصريين ، في حين أن تصرفاتنا جميعها تدل على ذلك ..

ولكن الخطأ في العنصرية نفسها قد أتقبله ، لأنه بحد ذاته من مخرجات تعليمنا منذ زمن طويل ..!

وخطأ إنكارها بالرغم من ظاهرها على شخص ما أتقبله أيضاً ، فالنفس البشرية جُبِلت على إنكار الأخطاء ..!

ولكن الخطأ الذي لم أستطع جاهداً تقبله هو الازدواجية !

أقابل رجلاً في مقهى وأتعرف عليه ، يبدو من كلامه النضج والعلم ..

أكتشف أثناء حديثي معه أنه يعمل في نفس المجال الذي أعمل فيه ، ياللمصادفة !

وتأخذنا الأحاديث في متاهات ، وخلال أبواب كثيرة ، نتفق أحياناً ونختلف .. والإختلاف لا يفسد للود قضية !

أعجبني فيه احترامه وعدم تفريقه بين جميع العاملين معه ، فتجد معه ابن جلدته ، والمسيحي ، واليهودي ، ولا يفرق بينهم جميعاً

وأرى في عمله مع الفريق الاتقان التّام ، والفعالية في الإنجاز وإتمام أعمال اليوم ..

تمر الأيام ونتقابل في مقهى آخر لنتجاذب أطراف الحديث ، وهذه المرة عن بلدنا الذي خرجنا سويةً منه ..

وعن الوظائف في بلد البترول وبراميل النفط المنتشرة بين البيوت كما يظن الأمريكان !

وجدت من ردود صديقي ما يخالف تماماً انطباعي الأول عنه من الأمانة والعدل اللذين يعتبران أساس كل ما يقوم به ..

فتارةً يقول أن أهل المناطق في بلدنا لا ينبغي أن يخرجوا من مناطقهم ، ويبرر أحياناً بأسباب تسليكية ..

وتارةً يتحدث عن الأجانب على حد وصفه من الجنسيات العربية بأنهم لملئ الفراغ في الوظائف التي لا تليق بنا ..!

وكأننا خلقنا من نطفة ذهبية مغطاة بالألماس الناصع ! وهم من النطف اللزجة التي تختفي مع أصغر موجةِ ماء !

قاطعته بعد استفزازي بهذه الجمل اللامنطقية وسألته عن وضعنا في الابتعاث وعمله والعدل الذي أشاهده ..

فرد علي باختلاف الوضع فنحن هنا خارج الحدود ، والأشخاص هنا مختلفون عقلياً عمن يوجدون في بلدنا ..

ثم زاد على جمله القاتلة بأن العرب جرب ، والنظام السائد في بلد الابتعاث يجعل الحيوان مجبراً على العدل !

لم تجد كلماته وتبريراته التافهة مجالاً إلى قلبي ، فأنا أؤمن أن التغيير يبدأ من الأفراد ذاتهم ، ثم ينتشر تأثيرهم في المجموعة !

فكرت كثيراً ولفترة طويلة بما قاله صديقي المزدوج ، وأثناء هذه الفترة قابلت العديد من الزملاء وشاهدت ازدواجية الآخرين أيضاً

فكل شخص تكتشف فيه ازدواجية مختلفة عن موقف صديقي ، ولكنها تنبع من نفس المبادئ وتنتشر من نفس المركز الدماغي !

أصبحت أركز في كل مواقف أبناء بلدي ، وأبناء البلدان العربية لأرى الإزدواجية في أفعالهم وأقوالهم ..

وكعادتي في الكتابة ، لابد أن أذيّل لكم توقيعي ..

أخوكم: عربي بازْدِواجيّةٍ ..!